الجمعة، 11 فبراير 2011

الله هو الرزاق








الرزَّاق كما تعلمون صيغة مبالغة، وإذا جاء اسم الله عزَّ وجل بصيغة المبالغة فمعنى أنه يرزق العباد جميعاً مهما كثر عددهم ويرزق الواحد منهم رزقاً وفيراً لا حدود له، إما على مستوى مجموع المرزوقين، وإما على مستوى كمية الرزق.

قال العلماء: إن الله "رزق الأبدان بالأطعمة ورزق الأرواح بالمعرفة "، والمعرفة أشرف الرِزقَين فإذا خصك الله بدخل وفير أكلت به أطيب الطعام وخص عبداً آخر برزق المعرفة فاعلم علم اليقين أن العبد الآخر أكثر حظاً عند الله منك لأنه منحه رزق النفوس رزق الأرواح وهي المعارف ، قال الله عز وجل:

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ


ومن أسباب سَعة الرزق الصلاة .. ما الدليل .. قال الله عز وجل:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى

ومن آداب العبودية أن يرجع العبد إلى ربه في كل ما يريد، في الأشياء النفيسة وفي الأشياء الخسيسة.. ضيعتَ مفاتيح البيت قل "اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه ، اجمع بيني وبينهم"، اِسأله الأشياء الخسيسة كما تسأله الأشياء النفيسة، وهذا من تمام العبودية لله عز وجل.. الدليل .. سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ماذا سأل الله ، قال رب أرني أنظر إليك ، فهذا من الأسئلة النفيسة من أرقى الأسئلة ، ولما جاع قال: " إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ "، وهذا دليل على أن العبد يجب أن يسأل ربه كل شيء، وفي الحديث الشريف:
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ الْمِلْحَ وَحَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ *
قال الله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ


إذاً ربنا سبحانه وتعالى طمأننا بأنه تكفل لنا رزقنا ، ومع ذلك يجهد الناس ويبيعون دينهم بعرض من الدنيا قليل من أجل الرزق، "خلقت السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين، لي عليك فريضة ولك علي رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك" .. تكّفل لنا بالرزق وأمرنا أن نسعى للدار الآخرة، فقال:
وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى


ماالذي يحصل، إن الذي كُلِّفت في طلبه توانيت في طلبه والذي ضمنه لك سعيت إليه .
إذاً أَقبلوا على ما كُلِّفتم ودعوا ما ضُمِن لكم، سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام يَقول فيما تروي بعض الكتب: "لا تغتمُّوا لبطونكم".


هناك نظرية في تقسيم الرزق ليست في المعنويات، لكنها في الماديات، فلو أعطى الإنسان علامة للزوجة، والبيت علامة، والدخل علامة، ولوظيفته علامة، ولصحته علامة، ولوسامته علامة، تجد أن معظم الناس ينالون مجموع علامات واحد لكن متفاوتة فيما بينها، مثلاً ثمانية على الزوجة اثنان على الأولاد خمسة على الرزق فالمجموع خمس عشرة، اثنتان على الزوجة ثمان على الأولاد خمس على الرزق المجموع خمس عشرة، عشر على الرزق ثلاث زوجة اثنان على الأولاد المجموع خمس عشرة، فلو دققت ترى من له دخل أقل من حاجته هو منعم براحة البال التي لا يحلم بها من آتاه الله زرقاً وفيراً، يؤكد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: " خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر".
الزرق أيها الإخوة في أدق تعاريفه هو ما يُنتَفع به: المال ينتفع به، العلم ينتفع به، الخلق ينتفع به، شعور القلب بالطمأنينة ينتفع به، في أدق تعاريف الرزق، الرزق ما ينتفع به .
جاء رجل إلى حاتم الأصم ، فقال من أين تأكل ، فقال من خزائنه فقال الرجل أيلقي الله عليك الخبز من السماء، فما هذا الكلام، قال لو لم تكن الأرض له لألقى علي من السماء الخبز، يرزقني من الأرض" هكذا تجد أن الإنسان حينما يطلب الرزق من الله عز وجل فالله يسوق له الرزق، يلتقي بإنسان صدفة يسأله أتعمل، يقول لا، يقول له هناك عمل.
الشيء الدقيق أنك إذا علمت أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين أفردته بالقصد، الناس أحياناً يتجهون إلى زيد وإلى عبيد وإلى فلان يطمعون ليأخذوا، ولكن إذا علمت أن الله وحده هو الرزاق تفرده بالقصد ولا تسأل أحداً سواه ، تكسب العزة والكرامة والطمأنينة.

قيل لإنسان آخر من أين تأكل قيل من خزائن مَلِكِ لا تدخلها اللصوص ولا يأكلها السوس، خزائن الله عز وجل مفتوحة وخزائنه مملوءة وخزائنه فيها كل شيء ، والدليل. قوله تعالى:
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ

من أسخف النظريات أن يقول الإنسان إن موارد الأرض تشح ، إن الأرض مهددة بمجاعة، إن ازدياد السكان ازدياد هندسي، "مالتوس" يقول الانفجار السكاني سيوقع الناس بمجاعة كبيرة، هذه كلها كلمات من لا يعرف الله عز وجل، لأن كل تقنين أو تقتير أو تقليل في الرزق هو تقليل وتقنين من نوع التأديب لا من نوع العجز، والإنسان وحده إذا قنَّن فعن عجز أما الإله إذا قنن فلغاية التأديب فقط.
امرأة أحد العارفين بالله قيل لها كيف يرزقك زوجك قالت زوجي ليس رزَّاقاً بل كيّال.
فمن الأخطاء الشائعة أخطاء في التوحيد، يقولون فلان معيل، أي عنده عائلة كبيرة، والصواب فلان مُعال وليس مُعيل، المُعيل هو الله عز وجل، والناس كلهم على مائدة الرحمن.
كما قلت قبل قليل إن الله عز وجل خص الأغنياء بوجود الأرزاق وخص الفقراء بشهود الرزاق ، فمن شهد الرزاق ما ضره ما فاته من الأرزاق ، من علامة المؤمن أنه إذا عرف الله ووصل إليه ما تألم على شيء فاته من الدنيا قط ، إذا تألمتَ ألماً شديداً وإذا احترق القلب حرقة لاذعة على شيء فاتك من الدنيا فهذه علامة أنك لا تعرف الله وأنك ما وصلت إليه ، فلو وصلت إليه لما تألمت ولما حزنت على شيء فاتك من الدنيا إطلاقاً، أحياناً تجلس مع إنسان تحس قلبه يحترق ندماً لأن هذه الأرض باعها ثم أصبح سعرها مائة ضعف، متألم ألماً شديداً ألماً لا حدود له - بل إن معظم الأمراض اليوم أمراض القلب والشرايين أمراض المعدة وأمراض الأعصاب وأمراض الأوعية، هذه الأمراض أكثرها بسبب الآلام والندم، دائماً يتألم ، أما إذا شهدت الرزاق ما ضرك ما فاتك من الأرزاق.
ومن عرف أن الرزاق واحد قصده ولم يسأل أحداً سواه ، كلكم يعرف القصة التالية أن أحد خلفاء بني أمية طلب عالماً جليلاً ليلتقي به ، فالتقى به ، فأراد هذا الخليفة أن يكرم هذا العالم، قال له سلني حاجتك ، فقال والله إني لا أسأل غير الله في بيت الله ، فهذا بيت الله أستحي أن أسأل أحداً سواه ، فلما التقى به خارج المسجد قال له سلني حاجتك ، قال والله ما سألتها من يملكها أفأسألها من لا يملكها ؟ فلما أصَّر عليه ، قال أطلب منك الجنة ، قال هذه ليست لي ، قال إذاً ليس لي عندك حاجة .
ترى إنساناً ذكياً جداً رزقه قليل وقد تجد إنسان في منتهى البساطة والسذاجة رزقه وفير ، فمعناها الرزق له عامل آخر غير عامل الذكاء وعامل السعي ، لكن تأكدوا أن للرزق علاقةً بالاستقامة، فالله يقول:
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ

"قد يحرم المرء بعض الرزق في المعصية" حديث شريف .. إذا أردنا أن نوضح هذه الحقيقة، مثلاً إذا رأيت أن ابنك ليس أهلاً لتملك المال، فإنك تعطيه الحد الأدنى، تعطيه مبلغاً يسيراً يكفي حاجاته الضرورية، أما إذا كان ابنك من أهل الصلاح، ورعاً واستقامةً واتزاناً وحكمةً تقول له أبقِ معك الخمسمائة ليرة لا شيء عليك، لذلك قال الله تعالى:
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ

هناك أشخاص يصبرون يكابرون، لا يحبون أن يُشركوا أحداً في مصيبتهم، هذا مستوى من المستويات، ولكن لا مانع إذا اشتكى الرجل لزوجته، هذا ليس موضوع حلال وحرام، ولكن هذا كلما رقت النفس وشفت، ترى أن الله عز وجل هو وحده يُشتكى إليه، " قال يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال منك ؟ قال لا من الله ، قال علمه بحالي يغني عن سؤالي ".
فالله يراك ، ويعرف وضعك ودخلك يعرف ألمك يعرف مرضك يعرف مشكلتك مع زوجتك، يعرف مشكلتك مع شريكك ، يعرف بعد بيتك، يعرف سوء الموصلات ، يعرف أنك أوصلت فلان والوقود غالٍ .. الله يعرف كل شيء .. فالله يقدّر الليل والنهار ، فكلما شفت نفسك وكلما أقبلت على الله تستغني به عما سواه ، تشعر بعزة النفس فالمؤمن يمتلئ عزة يمتلئ إيماناً وغنى ونشوة وعزة وكرامة .
هناك نقطة ثانية، وهي عكس الرزق، فكما أن الله عز وجل يضيق على العبد رزقه ، قال الله تعالى:
فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ(15)وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ(16)كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ(17)وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(18)وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمًّا(19)وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا(20)

إذاً الرزاق هو الله عز وجل ، والآن ما علاقتنا بهذا الاسم، أول شيء أن ترضى بقسمة الرزاق بِدءاً من أمك وأبيك، أنت ابن فلان وفلانة، هذا تقدير الله عز وجل، أنا أبي ليس مثل أبي فلان، انظر إلى أبي فلان راق جداً، أخلاقه عالية، أنا أبي شرس أبي قاس أبي جاهل، أبي فقير، انظر إلى رفيقي أبوه غني أبوه مثقف ثقافة عالية، أبوه راق.. يجب أن ترضى بوالديك لأن هذا منتهى الحكمة، ويجب أن ترضى بشكلك، فالله أقامك بهذا الشكل، طول زائد، قصر، وسامة، دمامة، صحة، ضعف، هكذا أقامك الله، فإذا اعترضت على الله فلست مؤمناً، يجب أن ترضى عن اختيار الله لك من أي رجل وامرأة كان وجودك وبأي شكل كان وجودك ، وعن رزقك وعن زوجتك، فالله اختار لك هذه الزوجة، أكثر الأشخاص غير المؤمنين يمضي كل حياته في عذاب، يقول ما توفقت في هذه الزوجة، فالله اختارها لك، علم فيك خيراً فضمها إليك لعلك تهديها إلى الله ، انظر إلى المؤمن عنده حسن ظن بالله، لو أن الله ساق له ولد سيئ لا يتبرم، يقول لك: هكذا اختار الله عز وجل، وفي القصة .. قال له أحدهم طلقها، قال والله لا أطلقها فأغش بها المسلمين.
هذا يعني أن ترضى عن رزق الله لك، والمعنى الثاني أن تجعل يدك على مالك وأن تجعل مالك خزانة ربك، يدك على المال يد الأمانة لا يد الملك، قال الله تعالى:
وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا

إذاً أول معنى من معاني الرزق أن ترضى بما قسمه الله لك، وإذا رضيت بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس، المعنى الثاني، أن تجعل مالك مال ربك وأنت عليه أمين ولستَ مالكاً.

ليست هناك تعليقات: